هل كانت رحلتي الى اوروبا حلما ام قدرا؟
جزء من ذكرياتي ومذكراتي – نضال حمد
هل كانت رحلتي الى اوروبا حلما ام قدرا؟
لم أفكر في يوم من الايام باللجوء الى اي بلد اوروبي.
حتى في احلك ظرف مررت به ومرت به حياتي، خاصة بعد اصابتي وتلقي العلاج في ايطاليا، لم افكر قط بالبقاء في ايطاليا. وعدت امشي بصعوبة على عكازين الى مخيم اليرموك قرب دمشق بديل مخيمي عين الحلوة الذي كان يقبع تحت الاحتلال الصهيوني نهاية سنة 1983.
في اعقاب ملحمة بيروت الحصار والاصابة سنة 1982 كنت لازلت افكر بمواصلة المشوار فدائيا رشاشه على كتفه عنوانا للصراع، فدائيا لا يعرف التعب. لكنني وبعد ان عدت وجربت من خلال زيارتي لرفاقي الفدائيين في المواقع المتقدمة في جبل لبنان، بحمدون وسوق الغرب، تأكدت أنني لم أعد أصلح للنضال العسكري والميداني. وأن طاقاتي يجب ان اصرفها في عمل آخر يفيد قضيتي. واستقر رأيي على التوجه الى ميدان العلم حيث يمكنني كسب الخبرة والمعرفة وتعلم الجديد لأجل فلسطين الوطن والقضية والثورة.
تفكيري ذاك لاقى استحسان رفاقي وأهلي أولاً، مما شجعني على اتخاذ قراري بالتوجه الى الجامعة للدراسة. أمي وأبي كانا يريدان مني ان اتعلم الطب او الهندسة. ولكني كنت لا أرى في نفسي إلا كاتبا واعلاميا وسياسيا. لذا قررت ان اتعلم العلوم السياسية. وهذا ماكان لي بفضل منحة دراسية أمنتها لي سفارة منظمة التحرير الفلسطيية في بولندا.
في ايار – مايو سنة 1984 توجهت الى بولندا عبر بعثة علاج امنتها لي حبهة التحرير الفلسطينية لاجراء عمليتين جراحيتين واحدة في ساقي اليمنى واخرى في يدي اليمنى كذلك. اجريت العمليتان ونجحتا بفضل جراحين بولنديين في مشفى كونستنتشين بالقرب من العاصمة وارسو. ومكث في المشفى عدة اسابيع اتلقى العلاج على نفقة حزب العمال البولندي ( الشيوعي) الذي كان يحكم البلاد.
في المشفى تعرفت على اخوة جرحى كلهم من فدائيي حركة فتح. واصبحت علاقتنا قوية وكنا نقضي الوقت معاً في المشفى وخارجه في بعض الاوقات. وربطتني علاقة وصداقة متينة مع الاخ الجريح ابراهيم من مخيمات سورية. للاسف نسيت اسمه العائلي. المهم خضت مع ابراهيم مغامرات صبيانية وشبابية عديدة في تلك الفترة من الزمن. وبعد ان افترقنا وعاد ابراهيم لا اعرف الى اي البلاد العربية حيث كانت قوات فتح، عدت انا الى سورية من جديد. ولكن قبل العودة تأكدت من موافقة السفير الفلسطيني عبدالله حجازي – ابو كرمل – على طلب الرفيقين الشهيدين طلعت يعقوب وابو العباس أمين عام ونائب امين عام جبهة التحرير الفلسطينية على تأمين منحة دراسية لي في بولندا.
شاءت الصدف او الاقدار ان كان هناك في وارسو وفدان من جناحي جبهة التحرير الفلسطينية التي كانت منشقة حديثا في ذلك الوقت يتباحثان في موضوع اعادة وحدة الجبهة. وعند وصولي الى وارسو سكنت في نفس المكان ( فندق فيكتوريا- الذي شهد محاولة اغتيال القائد الفتحاوي ابو داوود). الذي سكن فيه الوفدان وبالذات مع الرفيق الامين العام طلعت يعقوب. يومها كشف لي الرفيق طلعت سرا هاما وهو ان الجناح المنشق غير معني فعليا بوحدة الجبهة. واضاف قائلا: ” يا رفيق نضال انهم انشقوا ولن يعودوا”. وهذا ما أكدته السنوات التي تلت تلك الليلة في مثل هذه الأيام من شهر ايار – مايو سنة 1984 . وصولا الى يوم استشهاد او وفاة او اغتيال الرفيق طلعت يعقوب في الجزائر في نوفمبر – تشرين الثاني سنة 1988 وحتى يومنا هذا في سنة 2015 .
قد يسال سائل ولماذا طلعت يعقوب يبوح بهكذا سر لعنصر من عناصره؟
اقول لكم لان الرفيق طلعت يعقوب الذي عملت معه وعرفته عن قرب في لبنان في مكتبه في حي السيبل بالفكهاني في بيروت الغربية لعدة سنوات، كان يتناقش ويتحاور ويتبادل الآراء والافكار مع رفاقه من العاملين في المكتب ومن المرافقين، وكان يحرص دائما على سماع آراءهم وكان في بعض الأحيان يأخذ ويعمل بها. هذه تجربة عشتها شخصيا مع ابي يعقوب شهدينا وفقيدنا الكبير.
بعد العودة الى سوريا ولبنان والبقاء هناك لفترة قصيرة من الوقت وقبل ذلك كنت في طريقي الى سورية عرجت على تونس الخضراء حيث التقيت برفاق واخوة كنا معا نقاتل في حصار بيروت وقبل حصار بيروت. وحيث اكتشفت خلال وجودي في تونس ان الثورة ماعادت ثورة، وان الفدائي ماعاد الفدائي الذي اعرفه. بقيت في تونس اسبوعا او اكثر قليلا وعدت بعدها من جديد الى مخيم اليرموك. حيث كانت اول اساءة اتلقاها من الضابطة الفدائية في مطار دمشق، اذ احتجزوني انا وفلسطينيين آخرين لساعات عديدة، ثم اطلقوا سراحي وسمحوا لي بالدخول والاقامة في دمشق لاشهر عديدة كانت ممكن تمتد لسنوات. ولا اعرف ماذا حل بالآخرين.
كانت العلاقة مع النظام السوري في تلك الفترة سيئة جدا جدا جدا. وكنا نقيم في سورية ونحاول بكل قوتنا الحفاظ على موقفنا الرافض لشق منظمة التحرير الفلسطينية او قيام منظمة بديلة، وبنفس الوقت كنا ضد سياسات الرئيس الراحل ياسر عرفات والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تقف وراء شق الجبهة وفصائل فلسطينية اخرى. وكنا ندفع الثمن مضاعفا حصارا وتضييقاً من النظام السوري وحصارا ماليا وسياسيا خانقاً وظالماً من القيادة المتنفذة في المنظمة. كانت بكل بساطة محاولة تجويع و اركاع واخضاع من الطرفين. وبالرغم من كل الضغوطات لم تبدل جبهة التحرير الفلسطينية موقفها وصانت العهد والامانة وبقيت وفية لوعدها للشهداء وللشعب ولم تفرط بالموقف الوطني والثوري السليم. وخاضت مع الجبهتين الشعبية والديمقراطية والحزب الشيوعي الفلسطيني تجربة التحالف الديمقراطي الفلسطيني، الذي كان يقدم مواقف عقلانية مقابل لا عقلانية مواقف طرفي الانشقاق في الساحة الفلسطينية والفتحاوية. هذا كله كلف الجبهة الكثير الكثير.. فضعفت، ولكنها استمرت، وصمدت، ومازالت حتى الآن صامدة بقيادة رفاق طلعت يعقوب الأوفياء والشرفاء.
استطيع القول قبل ان اختم هذا الجزء من ذكرياتي عن تلك المرحلة من زمن الجبهة ومن حياتي ان ما حصل في جبهة التحرير الفلسطينية كشف الوجوه الزائفة وكشف الاقنعة ونظف الجبهة من الزوائد والطفيليات ومن الانتهازيين والضعفاء ومن الذين أحبوا ان يكونوا عبيدا للامتطاء ولازالوا كذلك.
من مذكرات نضال حمد *