الزعيم القومي الروسي فلادمير بوتين وخطاب النصر على النازية
منظومة الحكم الروسية تتصاعد ونظيرتها الأمريكية تتآكل سياسيّاً
*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
أوكرانيا وروسيّا توأمين سياميين ولدوا من بطن واحد، والبطن بستان كما تردد جداتنا رحمهنّ الله جميعاً، حيث روسيّا تدرك أنّ هناك محاولات أمريكية وغربية واسرائيلية وبعض عربية واهمة، كلّها تسعى لتفخيخ روسيّا من الداخل، وموسكو تعي أيضاً أنّ أوباما يتآكل سياسيّاً ويبدأ بالضعف من بداية الخريف القادم، حيث لا يبقى له ولحزبه سوى عام واحد فقط في الحكم، مع عدم انكارها واغفالها للقوّة الميثولوجية للأمبراطورية الأمريكية، وهذا مؤشر قوي على حكمة وواقعية القيادة الروسية ونخبة نواتها الصلبة التي تعمل كفريق واحد، ان لجهة السياسي والدبلوماسي، وان لجهة الأقتصادي والمالي، وان لجهة العسكري والمخابراتي، وان لجهة الثقافي والفكري في تعزيز الشعور القومي الروسي.
العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي قلقة على امدادات قواتها في أفغانستان حيث40% من هذه الأمدادات الضرورية تمر عبر الأراضي الروسية وبالتالي هي بحاجة الى موسكو، لذلك البنتاغون الأمريكي غير مرتاح لمسارات السياسة والدبلوماسية الأمريكية ومسارات التشريع في الكونغرس ازاء روسيّا بسبب الملف الأوكراني وعقابيلة وتداعياته المعقدة، والهوّة شاسعة بين الدولتين وهي أعمق من حرب باردة وشراسات استخباراتية بين البنى المجتمعية المخابراتية في كلا المجتمعين ذات تداعيات عرضية ورأسية، وعمليات تعبئة أيديولوجية تاريخية باحتقانات استراتيجية وسياسية على طول خطوط واشنطن موسكو، لا حلّ لها باعتقادي الاّ بانفجارات مبرمجة بشكل ثنائي، لأعادة انتاج صيغ أخرى لقواعد اللعبة الأممية واسقاطاتها، لوضع لبنات جديدة بجانب الموجود منها نحو عالم متعدد الأقطاب.
للولايات المتحدة الأمريكية متاهاتها الأستراتيجية العميقة، حيث كانت المتاهة الأولى لها في الأفغانستان وما زالت، ثم العراق وما زالت وعبر الأنبار تعود من جديد، فسورية الأصعب والأشد وما زالت، والآن المتاهه الأوكرانية وعقابيلها التي تتدحرج ككرة الثلج، الى المتاهة العرضية في شبه القارة الهنديّة حيث تتفاعل من جديد، ثم جاءت المتاهه اليمنية الحالية، فأم المتهاهات العامودية والعرضية الأستراتيجية الدولاتية الأمريكية، هي المتاهه السورية الأصعب والأعمق والأشد، والنتيجة فيها تحدد مصير المتاهات الأخرى وشكل العالم الجديد.
انّ جنين الحكومة الأممية (البلدربيرغ الأمريكي) هو صاحب هذه المتاهات وصانعها، فيستغل حالة الأستعصاء الدولي والأحتقانات الشاملة كنتاج للحدث والمسألة السورية، وما خلّفته من سحب دخانيّة سوداء عميقة قد تستمر لسنيين عديدة، من شأنها أن حجبت وتحجب عيون العالم عن ساحات أخرى من المعمورة، لا تقل أهميتها الأستراتيجية عن أهمية سورية أو أهمية الحدث الأوكراني الحالي مثلاً، وكذلك الحدث اليمني الآني(تحاول واشنطن وصع استراتيجية خروج للسعودي منه قد تكون عبر تلك الهدنه الأنسانية)، من أجل تحقيق عمق مصالحه ومكتسباته كحكم أممي(حكم البلدربيرغ الأمريكي)، وربط اقتصاديات العالم من جديد بالأقتصاد الأمريكي، للخروج من الأزمة الأقتصادية الأمريكية الحالية، والتي في حالة استمرارها وتفاقمها، أن تقود الى افلاس الولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك سارع الكونغرس مؤخراً بالسماح لأدارة أوباما بالأقتراض المالي بدون سقف محدد، وهذا لن يمنع الأفلاس المالي في أمريكا وانما سيؤجّله، وتحتاج واشنطن الى مصادرات لاحقة ستجري لأموال الدول الخليجية المخزّنة في خزائن المال الأمريكية، بسبب دعمها للأرهاب وما شابه، عبر مشاريع قوانين قادمة من نواة هذا(البلدربيرغ)الى بيت التشريع الأمريكي. لذا سارعت الرياض وعبر التشريع لقوانين مكافحة الأرهاب في الداخل السعودي والخارج السعودي، مع سحب لبعض الملفات ووضعها في عهدة آخرين، واجراء لديناميات مراجعات سعودية شكلية ازاء الحدث السوري، لا أوهام في الموقف الجديد للرياض، فليس هناك تحول سعودي نوعي في مقاربة الحرب على سورية، الخلاف الأمريكي السعودي في الملف السوري خلاف على الأولويات، وعلى الأدارة كمفهوم لهذه الأولويات.
أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي نعم، وهذا صحيح الواقع وعلم الرياضيات السياسية، وليس من الحكمة بمكان أن يقاتل العدو الغربي والأمريكي على العتبة البيتيّة، لأنّه هنا صار داخل البيت فتمّ ويتم مقاتلته داخل عقره وحدائقه الخلفية، عبر تعزيز وبناءات جديدة للقواعد العسكرية الروسية في كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام، فمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من غرب وبعض عرب متصهين واهم ومخادع عرض المعادلة التالية بكل بساطة: سورية مقابل أوكرانيا فتمّ الرفض الروسي(بلا)روسيّة بحجم العالم! حيث الموقف الروسي قائم على رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة متماسكة وحسابات علم الرياضيات السياسية، حيث أوكرانيا لا تشكل سوى جزء ومهم ولكنه محدد، حيث المشتركات بين الحدث السوري والحدث الأوكراني في الجغرافيا والأستراتيجيا.
نعم الوجود العسكري الروسي على الشاطىء السوري يمثل حالة التوازن مع الوجود الأطلسي في تركيا، بل لكسر هذا الحاجز التركي الأطلسي الذي أريد له أن يشكل مانعاً من تدفقات الوجود الروسي في جنوب تركيا، وبالتالي واهمون وسذّج من يعتقدون أنّ الوجود الروسي في سورية وعلى الساحل في طرطوس، هو وجود ثانوي نسبة الى حضورها في شبه جزيرة القرم، فروسيّا الخارجة من سورية هي روسيّا الغارقة عندّ عتبتها الأوكرانية، وهي روسيّا المقفل في وجهها بحرها الأسود( رئتها)، باختصار روسيّا الخارجة من سورية كما يريد المحور الصهيوني الأمريكي الغربي البعض العربي الواهم والمخادع، يعني روسيّا الخاسرة لمصالحها الأستراتيجية والفوق الأستراتيجية، كون جوهر معركة موسكو ليس في أوكرانيا بل في سورية، والأخيرة هي جوهر الفكرة وبالتالي هي المعركة الكبرى والأولى( أي المعركة في أوكرانيا)هي ثغرة صغيرة ولكنها مهمة.
روسيّا نجحت بتمنهج في جعل عنوان النسق السياسي السوري العقدة والحل معاً، لا بل وعقدة الحل نفسه حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ونكايةً بالطرف الخارجي بالحدث السوري من أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وبعض العرب، والروس أرسوا توازناً دقيقاً حال وما زال يحول دون تدخل عسكري خارجي في سورية، كما يحول دون سقوط الرئيس الأسد واخراجه كرهاً أو حبّاً، من أتونات المعادلة السورية الوطنية، إن لجهة المحلي وتعقيداته، وان لجهة الإقليمي وتداعياته ومخاطره، وان لجهة الدولي واحتقاناته وتعطيله وأثاره على الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي أثاره على نسب النمو الاقتصادي واستعادة المنظومة الاقتصادية الأممية لعافيتها، بعد أزمة الرهن العقاري وارتباطاتها في الولايات المتحدة الأمريكية(شرارة وجوهر الأزمة الاقتصادية الأممية).
كما نجحت موسكو وبقوّة بأن جعلت الأسد ونسقه السياسي طرفاً رئيسياً في التسوية، وان بقاء الأسد ونسقه ليس فقط ثمناً من أثمان مسألة التسوية الكيميائية السورية، كما يظن السذّج من الساسة والذين تمطى رقابهم كالعوام، بل أنّ الرئيس الأسد وموضوعة بقائه صارت بفعل الدبلوماسية الروسية الفاعلة والجادة، خارج دائرة التفاوض والمساومة ومسألة خارج النقاش بالنسبة لموسكو وإيران ودول البريكس.
وبالتالي مسألة الحوار مع النسق السياسي السوري، لم يعد مشروطاً برحيل الأسد أو تنحيه، لقد غرسوا الروس غرساً، من الأفكار في عقل جنين الحكومة الأممية ملتقى المتنورين من اليهود الصهاينة، والمسيحيين الصهاينة، والمسلمين الصهاينة، والعرب الصهاينة، بأنّ ما يجري في دمشق يجري في موسكو ودفاعهم عن دمشق دفاع عن موسكو.
نعم! لا عيب ولا تثريب على موسكو بعد اليوم، حيث كانت المسألة السورية وحدثها بالنسبة لها، مدخلاً واسعاً لرسم معادلات وخطوط بالألوان والعودة إلى المسرح الأممي، من موقع القوّة والشراكة والتعاون والتفاعل بعمق، وتحمّل المسؤوليات ضمن الأسرة الدولية الواحدة في عالم متعدد الأقطاب، لأحداث التوازن الأممي الدقيق في شتى الأدوار والقضايا بما فيها الصراع العربي – الإسرائيلي كصراع استراتيجي وجودي في المنطقة والعالم، بالنسبة للعرب الحقيقيين، والمسلمين الحقيقيين، لا عرب صهاينة ولا مسلمين صهاينة، ولا عرب البترول والغاز.
نعم من حق روسيّا ونواتها وعنوان الأخيرة الرئيس بوتين أن يقول: ثبات وتماسك الجيش العربي السوري العقائدي ضمن وحدة وثبات النسق السياسي السوري، وعنوان هذا النسق الرئيس الأسد قد جلبوا للفدرالية الروسية العالم أجمع.
….لم تكن روسيا بحاجة إلى سنوات لتعيد ترتيب بيتها الداخلي وآفاقه الخارجية، كي تعود بقوّة إلى واجهة المسرح الدولي، أذكر كمتابع ما بعد احتلال بغداد ذهبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة رايس(التي كانت مستشارة للأمن القومي آنذاك)إلى القول بحق جبهة الممانعة الأوروبية للتدخل الأمريكي السافر بالعراق المتكونة من فرنسا وروسيا وألمانيا آنذاك، ملخصةً سياسة بلادها بحق هذه الدول حيث نطقت: علينا أن نعاقب فرنسا ونسامح ألمانيا ونهمل روسيا.
فقد استطاعت موسكو أن تخرج من المخاض العسير غير المكتمل، الذي دخلته مع انهيار حلف وارسوا وتداعي الإتحاد السوفياتي السابق خلال ثلاث سنوات فقط على مقولة الدكتورة رايس الأنفة مثبتة خطأ مقولتها، فهي لم تفهم(أي رايس)حقيقة الفدرالية الروسية جيداً، بالرغم من أنها توصف بالخبيرة بالشؤون الروسية، فالشعور القومي الوطني الروسي والمستند على ارث الإتحاد السوفياتي، وقوتها العسكرية والنووية الإستراتيجية وإمكاناتها الاقتصادية والطبيعية، مع وجود زعيم قومي روسي هو فلادمير بوتين ذو الرؤية الواضحة والذي يفكّر ويعمل بالاتجاه الصحيح، أفشل ما كانت ترجوه وتتمناه العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي من انهيار كامل للدولة الفيدرالية الروسية.
…. فالوضع الروسي في الشرق الأوسط له آفاقه الخاصة، فموسكو حاضرة وبقوّة على كل الجبهات: من إيران إلى فلسطين المحتلة، ومن مياه الخليج المسلوبة السيادة أمريكيا، إلى سورية التي تتعرض إلى حرب كونية سافرة، إلى لبنان الساخن مروراً بالعراق المحتل والذي يتعرض إلى حالات مخاض عسير، عبر بعض أطراف من العربان المرتهنين للخارج. موسكو تعود بقوّة ودبلوماسيتها أخذت تظهر دينامية متنامية إزاء الأزمات التي تهز المنطقة، وصارت موسكو وبشكل متجدد وجهة رئيسية للتعاطي مع هذه الأزمات، وعادة مرةً أخرى إلى المياه الدافئة في الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
ولم تكن وزارة الخارجية الروسية يوماً ما، قسماً ملحقاً بوزارة الخارجية الأميركية، بل على العكس تحولت موسكو(بعهد بوتين لثلاث فترات رئاسية)إلى طرف نشط يقدم مقترحات ويدافع عنها، فالدبلوماسية الروسية تسعى جاهدةً وبثبات لاستعادة مواقع النفوذ التقليدية لدبلوماسية الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال التخلي عن العامل الأيديولوجي والتركيز على عامل المصالح الإستراتيجية بالدرجة الأولى، معطوفاً على ما يمكن أن توفره موسكو بفضل موقعها كقوّة عظمى لها دور رئيسي في مجلس الأمن الدولي وفي الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، بالرغم من أنّ ملف السلام صار ملف إسرائيلي داخلي، تنهيه الأخيرة مع الجانب الفلسطيني لوحدهما، ولم يعد ملفاً أمريكيا رئيسي كما تروج بعض وزارات الخارجية العربية والتي تمارس دبلوماسيات الصعاليك كنهج متصعلك.
وتأتي عودة موسكو على الجبهة الدولية والجبهات الإقليمية الأخرى، على أساس الاستفادة من الصعوبات التي تعاني منها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وهذا يمنحها صك تواصل وانفتاح على تلك الأطراف التي لا تتعامل معها واشنطن، حيث تستفيد وتوظف موسكو بؤر النزاعات والملفات الساخنة لأسماع صوت مختلف عن الصوت الأمريكي والغربي بشكل عام، وهذا ما يجعلها مسموعة ومقبولة لدى الجانب العربي لوقوفها إلى جانب حقوقه المشروعة، وأقلها إقامة دولته على الأراضي المحتلة لعام 1967 م وعودة القدس الشرقية لتكون عاصمة لتلك الدولة وعودة اللاجئين والنازحين إليها، فروسيا اليوم لاعب نزيه وحقيقي وعادل في كواليس الصراع العربي الإسرائيلي وجوهره(القضية الفلسطينية)، كما هي لاعب نزيه وعادل وحقيقي في تداعيات ما يسمّى بالربيع العربي، ودورها الحقيقي والفاعل والمتصاعد في الحدث السوري، للحفاظ على الدولة السورية وعلى الأمن والسلم الدوليين .
تقول المعطيات النظرية لعلم العلاقات الدولية، بأنّ التوازن الإقليمي يرتبط دائماً بالتوازن الدولي، وبتنزيل هذه الحقيقية إلى الواقع الميداني، فقد كان التوازن الإقليمي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط يرتبط بالتوازن الدولي الخاص بنظام القطبية الثنائية خلال فترة وجود القوتين العظميين(الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق)ولكن بعد انهيار القطبية الثنائية وانفراد واشنطن بالزعامة محاولةً الهيمنة على النظام الدولي، بدا واضحاً أنّ منطقة الشرق الأوسط قد شهدت على أساس اعتبارات التوازن الدولي، حدوث فراغ في الميزان الأممي بسبب غياب القوّة السوفياتية التي انهارت وعدم تقدم روسيا أو الصين لملء الفراغ في الميزان الدولي، صعود قوّة إسرائيل في ميزان القوى الإقليمي، هبوط قوّة الأطراف العربية في ميزان القوى الإقليمي، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة انقسام سادت في المنطقة العربية، بحيث أكد ما يسمى بمحور الاعتدال بالمنطقة(والذي يعاد احيائه من جديد)على ضرورة المضي قدماً في القبول بالنفوذ الأمريكي وتقديم التنازلات للمشروع الإسرائيلي الأمريكي الغربي. وعلى الطرف الآخر، أكد ما يسمّى بمحور الممانعة بالمنطقة على ضرورة المضي قدماً في الاعتماد على الإرادة العربية والقدرة الذاتية ومبادئ العدالة والحقوق المشروعة، كوسيلة لمواجهة المشروع الإسرائيلي الأمريكي الغربي في المنطقة الشرق الأوسطية.
الآن تمثل جهود روسيا الفدرالية، بمواقفها المختلفة إزاء ما يجري على عتبة بيتها في أوكرانيا، وازاء الحدث السوري وإزاء إيران وبرنامجها النووي السلمي، وإزاء الدور التركي المتلون وكافة الملفات الأخرى في المنطقة وعلى رأسها الملف اليمني، وبما فيها ملف التسوية السياسية، هذه الجهود الإستراتيجية والتكتيكية تشكل رسائل جديدة تحمل الإشارات التالية:
بدء عودة روسيا لمنطقة شرق المتوسط، من أجل ملء الفراغ الذي خلَفه انهيار الإتحاد السوفياتي، ردع النفوذ الأمريكي في المنطقة، عن طريق التأكيد بانّ أمريكا لن يكون في وسعها الإنفراد الكامل بممارسة النفوذ على المنطقة، ردع الأسرائليين من مغبة اعتماد استخدام القوّة الغاشمة المرفوضة، ودبلوماسية العمل من طرف واحد عن طريق وضع الأسرائليين أمام روادع على النحو التالي :
إنّ موسكو تمثل لاعباً دولياً مؤثراً في الساحة الأممية، لأنّ لها دوراً كبيراً في إدارة الصراع الدولي الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية، إنّ موسكو قادرة على تعزيز قوّة الأطراف الأخرى، وإعادة نظام سباق التسلح الذي سبق أن شهدته المنطقة على النحو الذي يضعف التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي الحالي، ولموسكو خارطة طريق جديدة في الشرق الأوسط، حيث تتحدث المواقف الروسية عن نفسها، بأنّ موسكو تسعى حالياً إلى معاقبة الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق القيام بلعب دور معاكس لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، رداً على دور واشنطن المعاكس في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم تحديداً، وفي منطقة البلقان وشرق أوروبا ودفاعاً عن مصالحها الإستراتيجية عبر الحدث السوري، لقد فعلت موسكو وعبر دبلوماسيتها الجادة فعلها ومارست شتّى الضغوط، على “إسرائيل” و واشنطن في الشرق الأوسط، إلى عقد تفاهمات بين موسكو و واشنطن تتراجع بموجبها واشنطن عن استهداف النسق السياسي السوري، وتقديم تنازلات لموسكو في ملفات نشر برنامج الدفاع الصاروخي والقواعد العسكرية الأمريكية وغيرها، وبالمقابل تتراجع موسكو عن ملفات الشرق الأوسط غير الإستراتيجية، وعدم استهداف المصالح الأمريكية وخاصة في جورجيا على أن يكون ذلك بالتفاهم معها.
ولكن على العكس تماماً، تبدو التحركات الروسية وهي تشي إلى أنّ ثمة ” خارطة طريق روسية دولية ” تقوم موسكو بتقفي معالمها الرئيسية، كون التحركات الروسية المعاكسة لأمريكا شملت:
منطقة الخليج العربي: سبق للرئيس الروسي فلادمير بوتين زيارتها. منطقة الشرق الأدنى: يوجد صعود روسي معاكس لأمريكا في أوكرانيا – لما لا والأخيرة هي عتبة البيت الروسي، أرمينيا، منطقة القوقاز والقفقاس، إضافة إلى الموقف الروسي المتجدد والثابت والداعم للنسقين السوري والإيراني.
منطقة آسيا الوسطى: استطاعت موسكو أن تضعف الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى عن طريق الاتفاقيات الثنائية مع دولها الخمس: تركمنستان، أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، وكيرغيزستان. منطقة الشرق الأقصى: تحركات روسيا في ملف الأزمة النووية الكورية الشمالية بحيث أدّت إلى إضعاف الموقف الأمريكي المتشدد في المنطقة، ويضاف إلى ذلك انخراط روسيا – بكين ضمن منظمة تعاون شنغهاي كمنظمة إقليمية، التي استطاعت أن تفرض نفوذها الجيويوليتيكي على الإقليم الأوراسي الذي يضم روسيا، الصين، منغوليا، دول آسيا الوسطى، والذي سبق أن أجمعت كل النظريات الإستراتيجية على انّه يمثل مفتاح السيطرة على العالم باعتباره يمثل منطقة القلب الاستراتيجي لخارطة العالم .
من ناحية أخرى، إن انخراط روسيا في أجندة الصراع العربي – الإسرائيلي ضمن جهد شامل ونوعي، بالإضافة لما ذكر سابقاً في متن هذه القراءة السياسية، يهدف من جهة أخرى مكافحة ومواجهة انخراط واشنطن المتزايد في إقليم أوراسيا( آسيا الوسطى، القوقاز، القفقاس )، كذلك البدء بالتحركات المتعلقة بالملف النفطي، مع كل من مصر والجزائر وغيرها من البلدان الشرق الأوسطية النفطية، لبناء قوّة ناعمة نفطية روسية لجهة بناء تحالف نفطي روسي – شرق أوسطي .
حتّى الآن، تنظر التحليلات الأمريكية إلى أن التحركات الروسية في الشرق الأوسط تهدف إلى معاقبة أمريكا، ولكن كما هو واضح فانّ التحرك الروسي يمكن أن يكون جزئيّاً بسبب هذه المعاقبة، وما لم تنتبه إليه التحليلات الأمريكية الصادرة حتّى الآن، هو أنّ روسيا قد باشرت التصدي للسلوك الأمريكي في ملف كوسوفو ومنذ البدء وقبل ست سنوات من الآن، عن طريق استخدام الملف الجورجي وتداعيات هذا الاستخدام الروسي المشروع من وجهة نظر موسكو، على اعتبار أنّ ذلك يمس أمنها القومي ومجالها الحيوي، والآن الملف الأوكراني وما يمثله ذلك من مخاطر حقيقية على الأمن القومي الروسي.
وكما هو معلوم للجميع في المجتمع الدولي، إنّ جورجيا تمثل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة القفقاس، تتعرض لتكريس أزمة انفصال أبخاريا الشركسية، وانفصال أوسيتيا الجنوبية، وفي رد الفعل الروسي على انفصال كوسوفو، أعلنت روسيا وما زالت عن استعدادها لتأييد ودعم وتجذير انفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا إذا تجرأت جورجيا على الانضمام إلى حلف الناتو. والأجراء الروسي ضد جورجيا، كما هو واضح لو حدث فانّه سيشكل خسارة كبيرة لواشنطن وحلف الناتو، كونه يقضي نهائياً على دولة جورجيا ككيان سياسي بما يترتب عليه سقوط النظام الجورجي الموالي لأمريكا وصعود المعارضة الموالية لروسيا(حقّقت المعارضة الجورجية انتصارات في الانتخابات التشريعية الأخيرة)، إضافة إلى انّه يعيق بشكل نهائي تمدد حلف الناتو والنفوذ العسكري الأمريكي إلى واحدة من أهم المناطق الإستراتيجية التي تمثل الحلقة الرئيسية في مخطط إغلاق البوّابة القفقاسية في وجه الفدرالية الروسية .
5345541 عمّان سما الروسان في 10 – 5 – 2015 م.