Force Majeure (2014) – مهند النابلسي
أتحفنا نادي شومان السينمائي الذي يديره المخرج والناقد عدنان مدانات بعرض الفيلم السويدي السائح (قوة قاهرة)(2014):
دراما سايكوعاطفية:
Force Majeure (2014)
تداعيات السلوك الأناني وخفايا العلاقة الزوجية!
يتناول هذاالفيلم اللافت تفاصيل الأحداث التي تعرضت لهاعائلة سويدية خلال اسبوع بمنتجع فاخر يقع بالألب الفرنسية، حيث يستعرض حياة رجل الأعمال توماس وزوجته ايبا وابنيهما الصبي الصغير هاري وشقيقته الكبرى فيرا (وهما شقيقان كذلك بواقع الحال)…ويبدو وكأن المخرج السويدي روبين اوستلوند يستمتع بوضع أبطاله أمام تحديات صعبة لكشف الخفايا الغير متوقعة لشخصياتهم، فهذا الفيلم “استفزازي” بامتياز، ويستهل بمشاهد السائحة السويدية وهي تشرح لصديقتها ظروف رحلتهما: “لأن زوجي يعمل كثيرا، لذا فهو سيسخر خمسة أيام لعائلته”! وتمهيدا ذكيا لما سيحصل لاحقا، فقد نجح المخرج باظهار الوئام والتماسك والهارموني العائلي وذلك من خلال لقطات طويلة لنومهم الصباحي الكسول واسلوب تنظيفهم لأسنانهم بالمساء.
ولكن الحادث المفصلي الذي يدور حوله الفيلم، يقع باليوم الثاني وأثناء تناولهم لطعام الغذاء على شرفة المنتجع، حيث يحدث انهيار ثلجي كبير تدريجي غيرمتوقع، وبينما تهرع الام للبقاء وحماية اطفالها تلقائيا، يختفي الأب ببساطة آخذا موبايله وقفازيه، ناجيا بنفسه، ثم يعود لاحقا بعد استقرار الوضع وكأن شيئا لم يحدث، وبلا شعور بالذنب…وتأخذ الامور بعد ذلك منحى سيء بتأثير تداعيات ما حدث، وبنفس المساء وأثناء جلوس توماس وايبا مع سائحة متزلجة وصديقها، تشرح ايبا ما حدث خلال الغذاء، بينما ينكرتوماس أنه هرب وجبن.
وخلال الأيام التالية يسعيان عبثا لايجاد رؤيا مشتركة للأحداث، وتفقد ايبا تدريجبا شعورها بالآمان بعلاقتها مع زوجها “الوسيم” المحب لأطفاله، فهي لا تستطيع حقا فهم انانيته الكامنة وجبنه…وعندما يزورهما باليوم الثالث صديقهما النرويجي وصديقته الشابة ذات العشرين عاما، ينغمسان بجدال عقيم حول رؤيتهما المتناقضة لما حدث وما الذي كان يجب ان يحدث، وهنا يدخلنا المخرج الذكي بمتاهة فلسفية “فالأهم هنا ليس هوما تفكربه حول نفسك، لأنه من الصعب أن تقسو على نفسك، ولكنه من الصعب أيضا اقناع الآخرين بأنك مثالي ولو افتراضبا”! ويؤثر تكرار الموضوع نفسيا على توماس،فيصاب بالأرق ليلا، فنحن نبقى كبشر عاجزين عن التحكم بالكوارث الطبيعية، ولكن ربما الأصعب هو التحكم بالتأثيرات النفسية الكامنة للشخصية البشرية!
تم استخدام لقطات ثابتة بمعظم المشاهد، وكان التصوير رائعا وكأنه يصحبنا لموقع الأحداث بالمنتجع الألبي الخلاب، تم تحركت الكاميرا لاحقا لتكبير بعض اللقطات هنا وهناك، ونجح المصور باظهار الأجواء الثلجية والضبابية ومنزلقات التزلج بمهارة فريدة، كما أَضاف المخرج لقطات سيريالية تدعم الحالة النفسية المرهقة للبطل، عندما يجد توماس نفسه بالنادي محاطا بمجموعة مختلطة من المحتفلين الصاخبين، الغرباء والعراة والسكارى!
الفيلم مكون من ستة مقاطع، حيث يستعرض يوما كاملا بكل مقطع، ويستهل الأحداث بمقطوعة كلاسيكية رائعة، ويبدو وكأن صديقه النرويجي الكهل الملتحي، يتقمص دور الراوي بسياق القصة، فنسمعه يشرح ما حدث وكأنه فعل جيني غريزي، لا علاقة له بمفهومنا التقليدي عن الشجاعة والبطولة، كما أن صديقته الشابة تسقط ما حدث على وضعه كمطلق هارب من عائلته…ويتعاطف هو مع توماس فيتقرب منه لمواساته ودعمه، حيث يقومان باليوم الرابع برحلة تزلج صعبة يواجهان فيها خطر الانزلاق على منحنيات خطيرة، وكأنهما يمتحنان شجاعتهما واقدامهما “الذكوري”، كما نراه يشجع توماس لاطلاق كبته واحباطه بالصراخ عاليا في الفضاء الثلجي! كذلك تجد الزوجة فرصتها الذهبية لادانته واضطهاده، فنراها بلامبالاة تحبسه لساعات خارج الغرفة، لتذهب مع طفليها، ثم لتتصادق بالصدفة مع امرأة متحررة تحاول اقناعها بأنها قادرة على اقامة علاقات متوازية بالرغم من كونها متزوجة ولديها أطفال!
…وبعد أن تنجح الزوجة المثابرة في كيدها، وتضعه أخيرا على تخوم الانهيار العصبي، فيصرخ “منفجرا” نادما وساخطا من سلوكه الجبان ومحتقرا لذاته، يجد اخيرا المواساة الكاملة من زوجته واطفاله، وبدا وكأنه نجح باجتياز عملية تطهير ” نفسية –عصبية” شاقة، ثم يقدم هو وعائلته (وربما بقصد) بالمشي والتزلج بأجواء ضبابية سيئة بظل انعدام الرؤيا، فنراه هو واولاده ينجحون باختراق الممر الثلجي الخطر، فيما تتخلف الزوجة، وتطلب الاستغاثة، فنراه يهرع برباطة جأش لينقذها، ويعود بها محمولة على كتفيه، وكأن المقصود هنا استرجاع دوره الذكوري واعادة الاعتبار لشجاعته وتحقيق التوازن والتوافق العائلي الذي اهتز بسبب حادثة الانهيار الثلجي.
وينتهي الفيلم باليوم السادس بطريقة مفاجئة، عندما نرى الزوجة تصرخ مذعورة بسائق الباص مستغيثة وطالبة منه الوقوف فورا، ربما لعجزه عن التحكم بالباص في طريق نازل لولبي خطير، ونشعر وكأنها مرعوبة وترغب بالهروب ولا تهتم بعائلتها، وربما يتطابق شعورها هنا مع شعور زوجها عندما هرب من الانهيار الثلجي ناجيا بذاته! ثم نرى الباص يتوقف لينزل جميع الركاب، حيث يتدخل النرويجي كريستوفر طالبا منهم جميعا التصرف بشكل حضاري وبلا هلع أثناء مغادرتهم للباص…ثم نراهم بمشهد أخير معبر يستمرون بالنزول كجماعة مشيا غلى الأقدام، حيث تذوب الاسرة الصغيرة بالمجموعة الكبيرة.
يتحفنا المخرج وكاتب السيناريو اوستلوند بحركات وايماءآت ذات مدلول، ولكنها تبقى خارج السياق الرئيسي، كحالة خادم الغرف الفضولي الصامت، الذي يتطفل على الجميع خلسة بنظراته العصبية وهو يدخن بشراهة، وبالرغم من انزعاجهم منه الا انه يساعدهم بالدخول لغرفهم بواسطة “بطاقة الماستر”، كما نلحظ بمشاهد اخرى تعرض الصديقين توماس وكريستوفر لتحرش فتاة غريبة أثناء وجودهما بالنادي وتناولهما المشروب، حيث يشعران وكأن الفتاة تهزأ بهما بلا داع…ويبدو لي وكأن المقصود بهذه المشاهد توضيح مدى الفضول والغموض والعبثية المرافق لتصرفات البشر الآخرين، والذي لا نستطيع التحكم به، بل علينا قبوله في تفاعلات ومصادفات الحياة اليومية!
ربما يعيد هذا المخرج اللافت للسينما السويدية العريقة ألقها الذي فقدته برحيل عبقري السينما انجمار برجمان.
مهند النابلسي